كلما فتحت اى جريدة وجدت صورته، حتى البرامج الفضائية كلها تتحدث عنه وكأن العالم كله لم يكن قبل وجوده. شىء غريب. كيف لانسان ان يكون بتلك الشهرة. ليس برئيس للجمهورية او احد الوزراء مجرد شخص يعمل فى العمل العام.
بالتحديد لا اعلم ماذا يعمل؟ ماهى مهنته؟
كل ما فى الامر انه موجود فى كل المؤتمرات والندوات واللقاءات التى تخص السياسة والبيئة وحتى جمعيات حقوق الانسان.
يبدو وكأنه احتكر جزءا كبيرا من الفضاء المحيط بنا لحسابه فحتى حوائط الشوارع عليها صورته.
يرى الجميع انه انسب لمواقع كثيرة.
كنت مثلهم جميعا مقتنعة بشخصيته. كلما رأيته على سلم العمارة خارجا او داخلا منها كانت تفوح منه رائحة عطر رجالى رائع. حتى لو فى اخر اليوم وكأن زجاجة العطر فى جيبه يرش منها كل 10 دقائق.
دائما يختار ربطة عنق من اجمل ما يمكن تتناسب بشكل غريب مع قميصه. اعجب دائما بربطات العنق التى لها اشكال جديدة. هناك دائما دبوس معلق على عروة الجاكتة يلمع يختلف من مناسبة لمناسبة.
عم سعيد البواب ينتفض واقفا ما ان يرى سيارته ندخل اول الشارع ويبدو لك كأنه يراقب مشهد جلل حيث تظهر على وجهه انفعالات مختلفة متناقضة احيانا يصارع حتى يخفيها ما بين كره لاحتقار لسعادة بالبقشيش الكبير.
يحمل عم سعيد الاكياس التى تملأ حقيبة السيارة يوميا التى عادة ما تكون طعام يكفى قبيلة ويصعد للشقة واحيانا ينزل حاملا احد الاكياس كهدية ولكنه ما ان يستقر مرة أخرى على كرسيه امام العمارة حتى يبدأ فى البصق والغمغمة وكأنه كان فى مشادة مع احد الباعة الجائلين.
حتى فتحى سائس الجراج دائما ما يقول “استرها ياللى بتستر” كلما مر من امامه.
لا نتقابل كثيرا فمواعيدى تختلف عن جدوله الحافل لكن فى المرات القليلة التى اقابله على السلم امام الاسانسير يبدو متالقا دائما بابتسامة عريضة جنتلمان يفتح لى باب الاسانسير يتحدث فى هدوء ورزانة “تحياتى للوالد”.
اسبوعيا يستضيفه برنامج على احدى الفضائيات ورويدا رويدا اصبح من مقدمى البرنامج نفسه ثم مقدم لعدة برامج
واخيرا انشأ قناة سماها “قناة الوطن”.
وعلى هذا فنشاطاته المختلفة لم تتوقف ما بين ندوات ولقاءات وحوارات جماهيرى
مازلت اجهل وظيفته الاساسية او عمله الذى يرتزق منه فلا يمكن ان يكون العمل العام مربحا هكذا – او هكذا تصورت- وسألت كثيرا فلم اجد اجابة تشبه الاخرى.
عم سعيد يقول رجل اعمال اما فتحى فيقول محام لكن ابى يرى انه نصاب. كلما تكلم يردد “انا فى خدمة الناس”
اخر يوم رايته يوم الخميس موعد برنامجه الاسبوعى. يبدو ان سلك الدش قد انقطع لسبب ما النازل من سطح العمارة لشقته ففتح باب شقته ونادى عم سعيد وطلب منه ان يصعد ليرى سبب المشكلة.
عم سعيد لم يستطع فى الظلام رؤية مكان القطع وعندما اخبره رد زاعقا: انت شغلتك هنا يا حيوان خدمة السكان يعنى لما اقولك تتنيل تصلح السلك تصلحه ………..
عم سعيد لسبب ما لم يحاول تعطيل الموقف اكثر من ذلك باستدعاء متخصص وانما صعد مرة اخرى ليرى سبب المشكلة وكان هو من شباك شقته ينادى عم سعيد وينعته بالاهمال والخرف. كل العمارة كانوا يسمعون ولكن لم يحاول احد فهم تفاصيل الموقف فقد بدا موقف عادى ساكن يتشاجر مع بواب.
وفى وسط ضوضاء قذائف سبابه لعم سعيد دوى صوت ارتطام ضخم.
سقط عم سعيد من على السطح جثة هامدة.
اعطى ارملته الف جنية وترك العمارة فى الفجر.
وفى الخميس الذى يليه كان فى برنامجه يقول: “انا فى خدمة الناس”